من المدرسة إلى الصحاري المقفرة

غادر خليفة راشد -البالغ من العمر 12 عامًا- مسقط رأسه في جيما بإقليم أوروميا جنوبي غرب إثيوبيا، ليقطع الطريق الذي غالبًا ما يعبره المهاجرون المسافرون نحو دول الخليج، بعد أن وعده أحد المهربين بعمل مجزٍ في رعي الإبل في الخارج.

 يسرد خليفة كيف غادر بلده: "لقد لاحظت بمرور الوقت أن بعض زملائي في المدرسة يختفون، وعندما سألت إلى أين ذهبوا، قيل لي إنهم هاجروا بحثًا عن عمل، وذات يوم ظهر شخص غريب خارج بوابات المدرسة وأصبح يتحدث معنا، أخبرنا أن هناك الكثير من الوظائف تنتظرنا في المهجر، وأنه لا يجب علينا دفع أي شيء مقدمًا."

وبعد أن ساور خليفة حُلم كسب المال؛ خرج خليفة من المدرسة واتجه مباشرةً للقاء بذلك الرجل الذي قام بالترتيب مع شخص آخر ليدله على مهرب. صعد خليفة على حافلة أخذته في رحلة قصيره مع أشخاص آخرين، ليواصل رحلته بعدها سيرًا على الأقدام.

وبالرغم من الوعود برحلة قصيرة لن تستغرق سوى أيام قليلة؛ سُرعان ما اكتشف خليفة أن لا شيء من تلك الوعود نُفذ، فقد اضطر إلى قطع مسافات طويلة سيرًا على الأقدام عبر الصحراء المقفرة في إقليم عفر بإثيوبيا، ليعبر بعدها حدود جيبوتي ويمكث لأسابيع في الحر الشديد منتظرًا قاربًا ينقله إلى اليمن.

قال خليفة موضحًا كيف سافر مع رفاقه المهاجرين الذين التقى بهم: "لقد كانت رحلة شاقة ولم نكن نحصل على سوى القليل من الطعام، وكثيرًا ما أصابنا العطش، استغرق الأمر مني شهرًا للوصول إلى اليمن، وكان ما يزال أمامي طريق طويل، لقد كنت محظوظًا لأنني تمكنت من قطع بعض المسافات من خلال المركبات، لكن كان عليَّ أن أمشي مع آخرين معظم الطريق" 

تناقل خليفة على أيدي العديد من المهربين الذين وعدهم بدفع أجورهم بمجرد العثور على عمل، وشعر خليفة أنه محظوظ لعدم تعرضه للاختطاف أو الاحتجاز على أيدي المتاجرين بالبشر الذين يتربصون بالمهاجرين على طول هذا الطريق من أجل الحصول على فدية.

كان راشد -والد خليفة- والبالغ من العمر 40 عامًا، يعمل في حقول البن عندما وصل إليه خبر اختفاء ابنه، حقول البُن هي المصدر الوحيد الذي كان يكسب منه لقمة عيشه هو وأبنائه العشرة من خلال العمل في زراعة شتلات البن وبيعها للمزارعين في بلدة توبا، التي تبعد حوالي 150 كيلومترًا عن مدينة جيما.

يقول والد خليفة: "كانت الشتلات التي كنت أرعاها كل يوم جاهزة، ولم يتبقى سوى أسابيع قليلة حتى أبيعها، لكن عندما سمعت أن ابني غادر وذهب في هذا الطريق المحفوف بالمخاطر، لم يكن لدي خيار سوى التخلي عن كل شيء واللحاق به، عليَّ أن أدركه قبل أن يكلفه هذا الخطأ حياته."

سبق لوالد خليفة أن خاض هذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر قبل 15 عامًا، وكان يدرك ما الذي سيُقبل عليه ابنه، لم يكن أمامه سوى خيارين، إما إنقاذ ابنه أو المخاطرة بمصدر دخل الأسرة بأكملها.

اضطر والد خليفة لبيع أحد ثيرانه للقيام برحلته إلى اليمن، يقول: "بعته بمبلغ 35,000 بِر (650 دولارًا أمريكيًا)، واستخدمت المبلغ للحاق بابني، كانت معظم رحلتي على متن سيارات، اعتقدت أن المال سيكون كافيًا، لكن المبلغ نفد مني وأرسلوا لي  10,000 بِر إضافية (230 دولاراً أمريكياً) وأنفقتها في التنقل داخل اليمن لأصل إلى ابني."

وأضاف أنه رأى خلال رحلته في اليمن جثث مهاجرين وآخرين يعانون من إصابات. وبعد أسابيع على الطريق؛ وجد راشد ابنه في طريقه من اليمن إلى مُهاجرًا إلى الدول المجاورة، ويعجُّ هذا الطريق ذاته بالمتاجرين بالبشر الذين يقومون باختطاف وحجز وتعذيب المهاجرين من أجل الحصول على فدية.

والد خليفة: "شعرت بسعادة غامرة عندما وجدته، لم أصدق عيناي، لأنني كنت أعلم أن فرصة اللحاق به تتضاءل في كل يوم يمر، كان ظمآنًا وجائعًا، لكنني واجهت مجددًا مُعضلة أخرى، إما المواصلة و العثور على وظيفة بسيطة لتأمين تكاليف رحلة العودة إلى الوطن وتعويض ما خسرته، أو البحث عن أي وسيلة متاحة للعودة."

وفي هذه المرحلة؛ صادف والد خليفة المنظمة الدولية للهجرة، التي تساعد المهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في اليمن على العودة إلى ديارهم. كانا من بين مئات المهاجرين الذين عادوا إلى إثيوبيا على متن رحلة العودة الإنسانية التطوعية الممولة قبل مركز الملك سلمان للإغاثة والاتحاد الأوروبي، ومكتب السكان واللاجئين والهجرة التابع لوزارة الخارجية الأمريكية. 

وبعد تلك الرحلة الشاقة؛ عبر والد خليفة عن سعادته بعودته لوطنه ولقاء أبناءه وعائلته من جديد قائلًا: "أشعر بالارتياح لأنني عدت إلى المنزل ومعي ابني وهو على قيد الحياة، الآن يجب أن نعود إلى المنزل، ويجب أن أبدأ من جديد، بينما يجب أن يعود خليفة إلى المدرسة بعد المعاناة التي عاشها، أتمنى أن يكون قد تعلم درسًا وأن يركز على تعليمه"

وقال خليفة أنه بعد تعرضه لكل تلك المصاعب؛ لن يحاول خوض هذه الرحلة مرةً أخرى وسيخبر زملاءه في المدرسة بمخاطر هذه الرحلة.