من "الحياة الكريمة" إلى النزوح

تقول حفيظة: "كنا نعيش حياة كريمة في منازلنا، ولكن بعد النزوح نعمل بجد لمجرد البقاء على قيد الحياة" 

لا يمكن لشخص أن يستوعب محنة أولئك الذين يعانون من مصائب عديدة إلا الذين عانوا من صعوبات وظروف قاسية. 

نزحت حفيظة علي منسوب (50 عامّا) مع زوجها وابنيها وبناتها الثلاث من محافظة الحديدة إلى محافظة أبين، وأجبرت هي وأسرتها على النزوح وترك منزلهم.

 لا تزال حفيظة تعاني من آثار النزوح والفقر وعدم القدرة على تأمين الغذاء الكافي لها ولأسرتها.

بينما كانت تتحدث إلينا، أمسكت حفيظة بقشة تحركها بسرعة ذهابًا وإيابًا وكأنها تحاول التخلص من الذكريات المظلمة، وقالت: "لقد نزحنا بسبب النزاع وتركنا وراءنا كل ممتلكاتنا".

تعيش حفيظة وأسرتها الآن في مخيم مع نازحين آخرين في ظل ظروف بالغة الصعوبة. يتكون مسكنهم من غرفة من الطوب وخيمة لا تحميهم من أشعة الشمس الحارقة أو المطر، ومطبخ مشترك مع نازحين آخرين يعيشون في كوخ مصنوع من جذوع الأشجار المتهالكة.

لم يعد زوجها قادرًا على العمل، وعلى أي حال، الوضع السيء هناك يجعل من الصعب جدًا العثور على وظيفة. قالت حفيظة: "كنا نعيش حياة كريمة في منزلنا، لكننا الآن غير قادرين على توفير حتى الاحتياجات الأساسية، اعتاد زوجي العمل كصياد سمك، كما قمنا بتربية الماعز والمواشي، وكان هذا هو مصدر رزقنا، ولكن فقدنا كل شيء الآن".

تلك الابتسامة ليست على محياها طوال الوقت؛ فهي تغادر أحيانًا للحظات معدودة فيأتي الحزن ليحل مكانها؛ ذلك كان جليًا في صوتها ودموع عينيها وهي تقول: "كنا نعيش حياة كريمة في منازلنا، وأصبحنا غير قادرين على توفير احتياجاتنا الأساسية لنعيش، فقدنا كل شيء، وبالكاد يمكننا أن نجد شيئًا نأكله".

من أجل إعالة أسرتها، عملت حفيظة في حقول المزارع المجاورة مقابل أجر ضئيل للغاية لا يفي باحتياجاتهم الأساسية "كان عليّ الذهاب إلى العمل حتى عندما أكون مريضة، لأنني إذا بقيت في المنزل فلن يكون لدى عائلتي ما تأكله".

وبسبب الفقر حُرم أطفالها أيضًا من التعليم، فتقول: "لم نتمكن من إرسال أطفالنا إلى المدرسة لأننا لم نكن قادرين على تحمل تكاليف الزي المدرسي والأدوات الدراسية".

وتضيف: "أتمنى أن يكون لدي دجاج لتربيته حتى أتمكن من إطعام أطفالي، لتتغير حياتنا للأفضل؛ إذا تحققت رغبتي فسأكون قادرة على تحسين حياة عائلتي ويمكنني أن أمنحهم حياة كريمة وأخفف من المصاعب والمعاناة التي نمر فيها".

يسعى مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية إلى دعم الأسر الأكثر ضعفًا في اليمن مثل عائلة حفيظة وتمكينها، وذلك بالشراكة مع منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، كجزء من مشروع يهدف إلى تحسين توافر الغذاء والحصول عليه لـ 70 ألف أسرة مستفيدة. 

استفادت حفيظة وأسرتها من هذ المشروع؛ إذ حصلت على 10 دجاجات بيّاضة، ما جعلها مصدر غذاء ودخل لهم.

تقول حفيظة: "لقد ساعدنا الدجاج كثيرًا، والآن أستطيع طهي العشاء لعائلتي حتى لا ينامون ببطون فارغة، وأحيانًا عندما يكون هناك ما يكفي من البيض، أبيع بعضه لشراء الخضار والفاكهة". 

لم يعد على هذه المرأة الريفية أن تتحمل الحر الشديد والأشغال الشاقة في المزارع، "يمكنني الآن الذهاب إلى العمل وقتما أريد، لأن أطفالي لديهم ما يأكلونه، وفي الواقع، كنت أحلم دائمًا بتربية الدجاج، وأنا سعيدة بأن حلمي تحقق".

لحظة صمت سرحت فيها حفيظة بفكرها، كسرته وهي تنظر لأطفالها مبتسمة، "ينتظرون بحماس الدجاج ليبيض، وكلما وُضِعَت بيضة يحملونها لي لأطهوها".